وسواس الكريستال والموت الأحمر
  • 27/06/2023
  • شاب في مقتبل العمر كان له عملا  يقتات وأسرته منه أراد أن يبني عشه الزوجي ويستكمل دينه،  وقد جمع خلال  الأعوام الماضية ما جمع من المال، وكان قد عقد العزم واختار عروسه في فترة سابقة ، أنه خامس أبناء الأسرة الستة، ثالث إناث وذكرين أحدهم يكبروه في العمر قد استقر وكون أسرة وتركهم يكونون أنفسهم، فيما لا زال الآخر في الجامعة لم يكمل دراسته بعد، وحين كان ذلك الشاب في عمله استزله الشيطان فوقع في حبائله وشراك البحث عن السعادة المفقوده ، ومع رفقاء الويل والثبور، وكان يحاول أن يخفي سره عن الجميع، لعدم إدراكه، وسواه ممن يبحثون عن السعادة بالجحيم، بأن فعلتهم لا تستر، ولا تستتر، ولا تختفي، وجرمهم لا يغفر وسعادتهم وهم  فظاهرها الجحيم وباطنها الجحيم.

    فحرصه لن يدوم، أما أن يشارك الآخرين فيفضح، وأما يعتزلهم فيفضح، هذه هي سعادتهم، سعادة الكريستال، شفافة يرى ما خلفها بوضوح للجميع إلا هُم المتعاطين، تستحوذ على ذاتهم وشخصيتهم فلا يروها و لايدركونها، فالكل يرى ما يخفونه، وهما لا وجود له في الواقع.
    كان الشاب يتستر بعزلته الزجاجية إلى أن عاد إلى الوطن ليقيم عرسه ويستمتع بحياته الزوجية، بعد عناء العمل الذي أخذ جل عمره، سعادته وسعادة أسرته، التي كانت تنتظر ذلك بفارغ الصبر تستعد الأسرة للحظات الأفراح وتنتظر الأحفاد، لتتفرغ لترتيب أوضاع ابنها الأخير، لتموت أو تعيش بسعادة بعد أداء الواجب الأسري والأبوي، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فسعادة الكريستال لا تدع مكانا للسعادة في كل الأحوال، فبريقها خادع، ورونقها زائل، وسرها مفضوح وبائن للعيان، لايتستر بها إلا غافل ولا تترك إلا السراب من المشاعر والأعمال والأموال ونهايتها الدمار والخسران.
    أيام العرس اكتملت ويا ليتها ما تمت، فمع مرور الأيام تتبدد السعادة، وتتعدد الظنون، والشكوك وتحل مكان الثقة، والصراع حل محل الفرحة، والكراهية بددت المودة، أنه الكريستال.
    تبرز الهلوسات السمعية والبصرية، ويستحوذ الوسواس القهري على التفكير ويشل الانفعالات ويبلدها وتعم الغربة النفسية والكآبة والقلق، تنتشر الأفكار السوداوية ويصنف كل قريب، ويسقطه في براثيت ودوائر الريبة، والظنون تطفو على الحالة، أنه الكريستال.
     أبدل السعادة بالشقاء، والقرب والوصل بالقطيعة والاغتراب النفسي، جعل الأمن والطمأنينة قلقا وشكاً قاتلاً، وحول الفرحة إلى كآبة وتعاسة، إنه الكريستال وحسب.
    يتبدى في صور سوء التوافق الأسري، وأبدل مبدأ الإخوة بالعداوة والبغضاء، خمسة عشرة يوم مضت وحسب، لم يرى فيها العريس وسيد الكريستال للحياة طعما ولا رغبة، ولا للسعادة الحقيقة مكان، ولا للنوم راحة، قتلته الشكوك والظنون والأفكار الظلامية السوداوية السادية، ابدل الكريستال كل شي، فالإخلاص صار خيانة، والقريب بدا غريب، والحقيقة صارت وهم وسراب، سعة الدنيا صارت ضيقة لاتتسعه، علاقات الصداقة والقرابة صارت عشق، والاحترام والتقدير بدا غرام،، لقد نسج الكريستال صور ذهنية ليس لها مكان في الوجود،  ولا علاقة لها بالواقع، خلال نصف شهر رسم معالم خيالية عبر الهلوسات السمعية والبصرية والأفكار النمطية، رسم طريق الخلاص، وعزز الميول العدوانية واتجاهات العنف، حدد الأبعاد الوجدانية العاطفية والانفعالية والفكرية العقلية والاجتماعية العلائقية والبدنية الحركية.
    تشكلت شخصية عبر الوهم والتعاطي والسعادة مع الكريستال، شخصية إجرامية مبنية على صور ذهنية مغلوطة ومشوهة، غير واقعية، واستحوذ وسواس قهري على عمليات التفكير فجمده، وابرز عالم وهمي، مشحون عاطفي معلول، وانفعالي متطرف، يملأه الغلوء والتعصب، يسوده الغضب والعنف، وجو ملبد بالقلق وسحب الكآبة الداكنة، يصدر عن تلك النفس هذيان مريب عن علاقات الخيانة وتصورات الغدر والفسوق، لا وجود لها إلا في نفسه المظلمة، وخلفيات الكريستال.
    بنى على هذه المعطيات الكئيبة ، واتخذ خطوات سلوكية إجرامية- بحق أخيه، أقرب الناس إليه- تجسدت بجريمة قتل مقيتة، وجريمة قذف مزدوجة، وسرقة مال محرز ، وتشويه سمعة أسرة كريمة محبة، وتدنيس شرف امرأة عفيفة بالطهر والنزاهة ودماثة الأخلاق لا تقارن .
    إنه الكريستال عالم الأجرام والرذيلة ،  انحطاط الأخلاق والقيم،، عالم القلق والأفكار السوداوية.
    إنه الكريستال عالم التعاسة الدنيوية والجرائم الدموية، أنه الكريستال بوابة الجحيم عبر الوسواس القهري،  الكريستال سراب السعادة ووهم الطمأنينة،  سحب القلق وغيوم الكآبة، والصور المظلمة والأصوات المغلوطة، والواقع
     اللامدرك؟


  •