الموت الغامض
  • 08/07/2023
  • إن سراً غامضاً وقف خلف موت الشاب (س. ا. م. ر ح.) طالب المرحلة الثانوية، في عمر الزهور، ينبض بالحيوية، تراه هنا وهناك طاقة الشباب تداعب وتحرك جسمه المعتدل، وطيش المراهقة تستحوذ على ميوله واتجاهاته، وتحرك سلوكه الصبياني، يلهو ويعبث مازحا مع قرنائه ذو المستوى الاقتصادي الوفير، في الاقتصاد والعمر والتصنيفات الاجتماعية الأخرى، فأسرته تتفوق على الإمكانات المادية الوفيرة والمكانة السياسية والجاه الاجتماعي المرموق، رقي القيم والأخلاق وحسن المعاملة مع الجميع، والإنفاق والجود والكرم.

    كان أصغر الإخوة، وآخر العنقود، كان يتعاطى القات، أما السجائر ففي السر يدخنها، يدرس بانتظام بالنظام التعليم العام، ويخضع لدورات التقوية أيضا، لم يبخل عليه والده ولا إخوته يوما، ولكن على ما يبدو أن الأسرة، لاحظت عليه ووجدت فيه بعض التغيرات في السلوك، تبرز هذه السلوكيات بمخالفة، المعايير والتقاليد، القيم والأخلاق الراقية والمتميزة والمميزة لأفراد الأسرة.
    فكانوا يبدون له ذلك أحيانا، ويتغاضون أحيانا أخرى، علها مرحلة المراهقة والصبا، والواقع قد يدفعه إليها، فهم لايمنعوا عنه المال، ولا يحاسبوه على طول الغياب، ومخالطة الرفاق، ولكنه كان يوم فيوم يبتعد عن الأسرة وعملها وأخلاقها ومكانتها.
    يطيل الغياب عن أنظارهم، ويبذر الاموال، فينصحونه ويوجهونه، بدون إدراكهم لواقعه، ومكنون ذاته وحقيقية سلوكه، إلا بمؤشرات لا يبنى عليها الحكم.
    قررت الأسرة محاولة إشغال وقت فراغه، وجعله تحت أعينهم، فأشركوه في عملهم وقت الفراغ، عمل معهم وتنقل من عمل إلى آخر، مستغلا للأوضاع والاهتمام من قبلهم، وتحمل اخوانه بعض سلوكه وأفعاله، حرصا على مصلحته، لكن لن يستمر ذلك طويلا، لكثرة أخطاؤه، وتكرار اختفاؤه، تبريراته ومحاولة استغلال تعدد أماكن العمل.
    لكنه ذات يوم، كبرت هفوته بسطوه على مبلغ كبير من المال صعب على الآخرين تحملها، فقد فاق قدرتهم وإمكانياتهم، فناقشوا الأمر مع والدهم، فأخذ زمام الأمر وقرر حينها فرض عقوبة عليه، بحجم غلطته، وبما يتناسب مع سوء سلوكه، فمنع عنه المصروف اليومي، فخرج بسلوك متكرر في الحيلة والمكر واستغلال تعدد الأعمال وتفرعها، لفترة غير بعيدة، فمصروفه تضاعف في ظل تشديد الإجراءات الرقابية عليه، وأصبح أكثر ميلا للعنف، وارتكاب الأخطاء والاعتداء، والتمحور حول الذات، وبدت مشاعر العداوة للإخوة والأسرة والعاملين مع الأسرة، والبوح بها، وبالريبة من مكايد وتآمر الجميع عليه، ومنعه من التصرف بالتساوي مع أفراد الأسرة، والتظلم والتبرم من المعاملة السيئة له وكيل التهم له، بالإضافة إنكار ما نسب إليه من الأعمال.
    وتمكن ذات مرة من السطو على مبلغ من أحد المراكز التابعة لوالده، موهما إياهم أنها توجيهات والده، وعند إدراكهم حقيقة الأمر ووقوعهم في فخه، حاول إسكاتهم تارة بالالتزام بالدفع، وأخرى بالتسويف والمماطلة، فرفع التقرير إلى أحد الإخوة سرا، بمعالجة الوضع، فأبلغ والده بذلك، فأشتاط الأب غضبا عارما، فقرر استخدام عقاب رادع أكبر لتبذيره المفرط بالمال، ووسائل وحيل تمرده وسوء سلوكه المالي والأخلاقي، ففرض عليه الحجر في المنزل وعدم الخروج.
    لكنه استطاع التمرد وكسر الحاجز  بمساعدة بعض رفقاءه، فغاب عن البيت ففضح أمره، فشتد العقاب التأديبي- دون البحث في الوضع والأسباب الحقيقية التي تقف وراء سلوكه المادي، وتصرفه الغريب واللامسؤول، ومحاولة تشويه الأسرة بالتصرفات الفاسدة- فحجره في المنزل مع منع الزيارات من القريب قبل البعيد، فلم يستمر الوضع إلا يومين فقط، فقد كسر هذه المرة القيد وإلى الأبد، فكانت المفاجئة غير متوقعة ولا في الحسبان، لقد فارق الحياة تاركا خلفه الحسرات وعلامات الاستفهام.
    أسرار تركاها الشاب ورحل بعيدا، تلك الأسرار والحيرة استدعت للإجابة عنها، البحث عن الحقيقة في مكنون أسراره، ففطن الأب إلى الأصدقاء والرفاق الذين كان يقضي معهم معظم أوقاته، بالإضافة إلى شدة حرصهم على تحريره من العقوبات مرة بعد أخرى، وتحريره وفك أصفاده.
    وكانت الأسرة لا تدرك ولا تعي تصرفاته الغريبة خلال فترة الحجر الأخيرة خصوصا ولا أسباب محاولة الرفاق تحريره وعلى الأقل محاولة زيارته، وذلك لاعتقادهم بأنها حيلة من حيله المبتكرة، ففتضحة الأسرار عبر الرفقاء الأشرار وبانت الحقيقة المرة، بأنه قد أثر إلا أن يموت منتحرا أو يموت منتحرا.
    هكذا كانت النهاية مأساوية فرفاق السوء، والصاحب ساحب، جمعتهم الصداقة والصحبة، فوقعوا في شباك مروجي وبائع المخاطر والمعصية والموت، فرقتهم المخدرات، صانعة الانحراف، طريق الدمار والبلاء في الدين والدنيا والآخرة، أنه التعاطي والإدمان، كان في غنى وسعادة، فراح وراء الأوهام والشعور الكاذب بالسعادة الوهمية.


  •