كانت كالوردة بالجمال الطاهر والأخلاق الزكية هي من أسرة متوسطة الدخل مستورة الحال، ماتت يوم ماتت ولم ندرك بعد ما أسباب حالتها سوى الألم والاضطرابات التي قلبت حياتها رأس على عقب، الفترة التي عانت منها، ألوانا شتى من الآلام، قبل الوداع لم تكن طويلة، فتك بها داء غير معروف، ولا مألوف نوعه، ولا أسبابه، في الأشهر القليلة الماضية كانت في عرسها، تعيش بسعادة وفي وقت قصير من شدة ما تمر به من لحظات الأسى، تراجع بسرعة مقارنة بين لحظة وأخرى يوم زفافها الميمون، وانتقالها إلى حياتها الزوجية، الأفراح تعم االارجاء، والسعادة تطوف في المكان، أنها تراها الآن اكثروضوحا، يقطع الألم استكمال استعادة تلك اللحظات السعيدة، وتتحول إلى لحظات من الكوابيس تعيش آلاما لأتفهمها، ولا سواها يدرك ما تمر به، والخوف يلف ويقضي على الشجاعة والإفصاح عنه عن أعراضه المخيفة، تتحمل وأهلها الوضع تتلبسهما الأفكار والهواجس، لعله مس الشياطين، أو دحرت جان، الريح الأحمر، أو عين حسود تحمل الخبث قد أصابتها، ربما سحر، لغرابة الحالة التي تعيشها في أيام معدودة، يطول الصراخ، ولحظات مصارعة الموت أو الحياة كفلين هما، تعود تستكمل استرجاع شريط الذكريات- إن غفل عنها الألم- ماضيها المشرق في أيام صباها في طريقها إلى المدرسة تتحدث وزميلاتها عن فروض الواجب، عن أحلام الغد، عن الدراسة في الاعوام التالية، عن صعوبة اختيار التخصص، على المدى البعيد فهي ما زلت في بداية المرحلة الثانوية العامة، في خضم تفكيرها المهووس بالماضي الجميل، تنتابه لحظات قاتلة من الألم، تنتابها مشاعر القلق، والاكتئاب يسودها، من ليلة طويلة، كيف تقيضها في حالتها المرضية؟
شعور افقدها صوابها، واستحوذت عليها الهواجس، تخلط مشاعر الأسى والحزن، بالالم الفظيع والصداع القاتل، وتدخل في حالة هستيريا وغيبوبة مباشرة، لا تستفيق إلا على دورة جديدة من الإرهاق الشديد والتشنجات والخدار ، دورة الصداع في انتظارها.
في الأمس القريب حست بصداع بسيط، هرع زوجها وأعطاها مسكن من مسكناته وعلاجه الخاص، لذلك البأس بقرصين أو قرص فقط، وكان يحميها ويقيها من الصداع والشقيقة، بقرص أو قرصين يوميا قبل الحمل، وأثناء الحمل، أنه الزوج المخلص، في الأمس القريب منحها القرص والقرصين، كانت في قمة السعادة لأنها تتناول العلاج وتحصل على الاهتمام، فتشعر بسعادة بالغة، في الأمس القريب كانت إلى جوار زوجها العزيز، وجنينها يدغدغ ويتلاعب بالأحشاء، تأتي الصاعقة الكبرى خبر مزلزل للفرائص ويذهب العقل، في الأمس فقدت كل عمرها وقرة عينيها المأمول، دون سبب معروف، فقد كانت ملتزمة بالعلاج الذي أقره الزوج لحمايتها أولا، والحفاظ على صحتها وسلامة جنينها في المرحلة التالية، واليوم فقدت سندها المتين بعلها، لا لسبب سوى فقدان جنينها في الأمس، تداخلت عليها الأحداث والكوارث، علها في كابوس مريع، تتساءل في ذاتها، فيسمع من حولها، وتسأل من حولها، هم أشد منها وجعا وحسرات الاسىء تبدو كظلام الليل، فتدرك أو لا ندرك الإجابات، تنتظرها دورة جديدة من الحالات المتتابعة صداع وصرع، تشنجات وخدار تخشب هلوسات سمعية ودوار قاتل، كوابيس مرعبة وأوضاع مزرية، في وقت قصير تتسارع الأحداث وتطول بالآلام، قلق اكتئاب، خيانة جنينها لها، وغدر بعلها، ونفاد صبر الأهل، وعصيان الحواس والدماغ ضعف الذاكرة، وتربص عدو خبيث غير معروف ولا مألوف، ذهول وسرحان، تبلد الانفعال، هذيان، لا يدرك منها الأهل والجيران، إلا تساؤلات تتكرر: (من احرمني حبه؟، من احرمني الحبة؟، من منحني حبي؟، من أعطاني حبة؟، من احرمني حياتي؟)، هلوسات سمعية وبصرية، خارت وخوت القوى، تشنجات، خدار الأقدام، تخشب سيطر على معظم أنحاء الجسم، انخفاضة دقات القلب، غشاوة عشوه بصرية، ضعف السمع رويدا رويدا، شخوص بصري، حشرجة، غرغرة، توقف الأجهزة، نوم سرمدي، أنه الموت الحقيقي.